المملكة العربية السعودية - القطيف SAUDI ARABIA - Qatif
البدء بعرض الصور حين يمتلك الإنسان روحاً فنانة، ترى الموجودات من حولها بعيون مختلفة عن أعين الناس، يجد الإبداع طريقاً له لتشكيل وتكوين الكثير من الإبداعات الفنية التي تنقلك إلى معانٍ وأفكارٍ مشحونة بالإنسانية والصدق والمشاعر العميقة، فتجدين نفسك تتواصلين معها بكل سلاسة وتلقائية دون حتى دراسة فنية مسبقة، وبمجرد النظر إليها. هذا هو الشعور الذي سينتابكِ لدى مشاهدة إبداعات الفنان السعودي جاسم الضامن، الفنان التجريدي الذي استلهم من مفردات طفولته في مدينة القطيف الكثير من مفردات لوحاته وإبداعاته الحالية، فخلقت تواصلاً بينها وبين متذوّقي الفنون بدون أي مجهود، لعمق أصالتها وصدقها الإنساني. تعالي نتعرف إليه من خلال مقابلة خاصة لـGheir ستقرّبك من فكره، وتعرّفك إلى روح فنان أصيل وحقيقي. نود التعرّف في البداية إلى نشأتك وتخصّصك الدراسي.. نشأت في مدينة القطيف في المملكة العربية السعودية حيث أٌقيم وأمارس الفن. تخصّصي الدراسي ليس فنياً، فقد حصلت على درجة البكالوريوس في هندسة تقنية القوة الكهربائية من كلية الجبيل الصناعية في مدينة الجبيل الصناعية الواقعة شرق المملكة. متى اكتشفتَ موهبتك الفنية؟ كان الفن من أوائل اهتماماتي في الحياة، منذ مرحلة المدرسة الابتدائية؛ لقد نما فيَّ حينها حتى أصبحت عيناي تمارسان لغة البصر بمستوى مؤثر وقابل للتشكيل في أبعاد بصرية تلامس أحاسيسي وأفكاري المشتّتة وترضي رغباتي الجمالية والفكرية في مرسم لا يخلو من الفوضى. ولماذا كان الرسم وسيلتك للتعبير عن نفسك؟ هل يضعك في حالة شعورية معيّنة ومن ثم وقع اختيارك عليه؟ على الرغم من أن دراستي ليست فنية، لكنني لطالما رأيت الرسم على أنه "العالم الغريب والصديق في آنٍ معاً". فقد منحني الأنس الذي يبدّد الوحشة في أوقات الوحدة والعزلة، وصار مرادفاً لأوقات السعادة والحب وهذا ما أشعر به حين أرسم، ولهذا جُلَّ أعمالي تعكس هذين المؤثّرين بوضوح. وفي تصوّرك، كيف يشعر الناس حين يشاهدون لوحاتك؟ أو كيف تتمنى أن يشعروا حين يشاهدونها؟ أتمنى أن يشعروا بالسعادة والحب والألم معاً من خلال المؤثرات اللونية التي تقاوم معاناة الإنسان المختزلة حركياً وانفعالياً ووجدانياً لتعيد الأمل إلى موقعه. ما الذي يحرّكك لإبداع عمل فني جديد؟ هل تحتاج إلى حالة نفسية معيّنة لتتمكّن من الإبداع؟ يحرّكني المزيد من الطاقة البصرية والفكرية التي تمنحني إيّاهما البيئة من حولي ابتداء من المنزل وحتى الشارع بكل تفاصيلهما الإنسانية والاجتماعية وأبعادهما البصرية والجمالية. وإن كانت لوحاتي في حقيقة الأمر متأثّرة بقصص حزينة، لكنّني أشكّلها بصرياً في حالة منتشية بالفرح! ضاحكاً في وجه الحزن ومنتصراً عليه وهذا ما يمنحني المزيد من الرضى بعد إنجاز كل لوحة. هل تتبع مدرسة فنية معيّنة؟ وأيّ من الفنانين العالميين يؤثر فيك أسلوبه أو تأثّرت بأعماله؟ لا أرى نفسي منتمياً لمدرسة فنية بعينها؛ لكني بلا شك تأثرت بفنانين مختلفين تشكّلت أعمالهم في ذاكرتي البصرية ومنحوني فرصة الإلهام والاندفاع نحو الابداع وتشكيل هويتي الفنية الخاصة منهم ايغون شيلي و فرانسيس بيكون وجيرارد ستريجر. وكيف ترى تعبير إبداعاتك ورسومك عن الثقافة السعودية؟ أرى الثقافة السعودية أكثر بكثير من حصرها في التراث فقط؛ فأنا أستخلص من الثقافة السعودية المواضيع الاجتماعية المؤثرة على وجه الخصوص التي تضفي تأثيراً يمكن اختزاله في قالب بصري ملهم. هل تحاول نشر رسالة فنية معيّنة من خلال لوحاتك؟ يمكنك تلخيص أعمالي في رسالة رئيسة: "نبذ الكراهية وتبنّي الحب في كل أفعالنا"؛ هذه هي رسالتي الأساسية التي أتمنى نشرها. قضية تمكين المرأة وتعزيز حضورها في المجتمع من أهم وأبرز القضايا المجتمعية الآن، محلياً وعالمياً، فكيف تساند إبداعاتك هذه القضية؟ لطالما كنت مناصراً للمرأة وداعماً لها؛ وأنا جد سعيد لما توصّلتُ إليه حتى الآن في بلدي، لكني أرى أن الكثيرين من الفنانين والفنانات في المملكة يتطرّقون إلى هذه القضية في أعمالهم، لذلك أرغب في تقديم شيء مختلف في لوحاتي، وإن استمرّت مناصرتي ودعمي للمرأة بصورة شخصية. لا يمكن إنكار أن الثقافة العربية تواجه أزمة هوية وأزمة مصير في زمننا الحالي؛ فهل تميل إلى الدفاع عن قيمها الحقيقية من خلال فنك، وكيف؟ أرى أن هوية عملي العربية تشكّلت بعد أن دخلت كلمة "حب" عليها وكُرّرت حتى أصبحت أيقونة أميّز فيها روحي داخل العمل الفني. وتعبيري عن هذه المفردة التي أراها مرادفة للهوية العربية في نظري، هي الطريقة التي يمكنني من خلال لوحاتي الدفاع عن القيم الحقيقية للهوية العربية. كفنان سعودي وعربي، ما هي العناصر الموجودة في ثقافتك وبيئتك المحلية التي تلهمك أكثر من غيرها؟ البحر والطيور والأزقّة القديمة والأسواق الشعبية وكبار السن؛ عشت طفولتي في منزلنا الواقع على البحر، وكانت هي المفردات البصرية من حولي في كل مكان، وكان لنشأتي بينها كبير الأثر في أعمالي حتى اليوم. مثلما هي لوحاته وإبداعاته الفنية، تشعرين أن حديث الفنان السعودي جاسم الضامن مشحوناً بالإنسانية بطريقة أصيلة وصادقة وحقيقية، تتواصلين معها دون حواجز وبصورة تلقائية، ووجدنا في لقائنا به الكثير من الإلهام.